المعرفة ـ القديس صفرونيوس

ليكن لنا الادب الجم والوقار عندما ندخل حضرة الله، لاننا احيانا بدون حياء نسأل عن امور تفوق قدرتنا، وعوضاً عن الوقار والحياء نقع في الارتباك وفوضي الفكر .. جيد ونافع ان نصمت بسبب الجهل، وان لا نخاف ان نقول اننا لا نعرف، من ان نقع اسري كبرياء الفكر، ونغضب او نثور او نقع في بئر اليأس، لان الاعتراف بالجهل افضل من الجدل العقيم.

المعرفة انواع، ولكن الذي يهمني هنا هو المعرفة العارية عن المحبة .. لانها في حقيقة الامر فضول العقل الذي يريد ان يدخل الي اعماق الاشياء ويتعامل معها بلا حذر .. يقول عنها الرسول انها “تنفخ” (1كو 8: 1)، لانها معرفة للسيطرة، ومعرفة للسيادة علي ما نعرف، وهي تشق وتؤسس طريقة العظمة الباطلة ….

والمعرفة العقلية التي تحلل الحقائق حسب قواعد المنطق والفلسفة جيدة ونافعة اذا كانت تناقش وتدرس المنظورات …. هذه المعرفة لا تفيد من يدرس الالهيات ويتأمل اعمال الله مع البشر، لان طبائع المخلوقات ليست مثل طبيعة او جوهر الله، وحدود الطبائع المخلوقة رُسِمَت للبشر لكي يتأملونها ويدركوا كيف يعيشون في الكون، وهي لذلك لم تُرْسَم علي الخالق .. وما يجوز، بل ان ما هو نافع للتعامل مع المخلوق، لا يصح لله، والا اصبح عائقاً امام فهم الخالق …. لان المعرفة اللازمة لفحص ميلاده وتجسده هنا هي اعلان الهي يُوهب لنا بالروح القدس، لا المعرفة العقلية التي تدرس المنظورات وتحلل وتبحث في طبائع الاشياء المرئية.

ومعرفة قواعد المنطق لازمة، لفحص الحجة والدليل، ولاكتشاف التناقض او الباطل في كلام الناس .. ولكن قواعد المنطق، مهما كانت، تعجز امام عمل الله، الذي رغم انه اعطي الحكمة للانسان، وغرس المعرفة في قلبه وعقله، الا ان قواعد معرفة الصواب من الخطأ، رغم ضرورتها، فهي خاصة بنا نحن البشر، ولا يمكن ان تُسْتَخدم كأداة لفحص حكمة الله، لأن حكمة الله اعظم، وطرق حكمة الله ليست مثل طرق الحكمة الانسانية …. لاننا في ابسط وادق ما يُقال عن الله نواجه عجز اللغة وضعف قواعد المنطق عن الوصول الي ابسط حقيقة عن الله ….

لذلك اتوسل اليكم في محبة الله نفسه ان تميّزوا بين انواع المعرفة، لان المعرفة شجرة عظيمة اكل منها آدم وحواء، وبينما لا تزال البشرية تأكل منها كل يوم فانها تمزج هذه المعرفة بالخطيئة فتحصد من ثمار هذه الشجرة معرفة الخير والشر معاً …. وواجبنا حسب تعليم ربنا يسوع المسيح هو ان ندرك التمييز بين المعرفة التي تولد من المحبة وبين المعرفة العارية عنها، لان هذا هو واجبنا الذي نتعلمه في الحياة النسكية، لاننا نأخذ هذه البذرة المقدسة (بذرة التمييز) في سر المعمودية ونمسح بالميرون المقدس لكي تقود مواهب الروح القدس المعرفة الانسانية نحو المحبة وتتغذي بالقوت السمائي، خبز الله النازل من فوق الواهب الحياة للعالم (يو 6: 33)، لكي بالحياة في المسيح ننال معرفة اعظم من المعرفة التي نحصل عليها بالتعليم وقراءة الكتب النافعة ….

المعرفة خادمة للمحبة وليست السيد الذي يسود علي قوة الادراك والتمييز …. المحبة تغذي الفكر بالرجاء وتجعل الرفق والحنان هو جوهر الادراك …. حق المحبة هو في العطاء اما حق المعرفة غير المولودة من المحبة فهو ان تأخذ …. لنحترس ايها الاخوة الاحباء لئلا تكون المعرفة التي في قلوبنا معرفة مولودة من كبرياء الفكر …. يا ليت الرب يجعلنا نجلس عند قدميه لكي نتعلم منطق محبة يسوع وقواعدها الابدية السماوية التي سوف تدوم معنا في هذه الحياة والحياة الآتية.

 

ـــــــــــــــــــ
+ من كتاب “الثالوث فرح الخليقة” للقمص انطونيوس امين، راعي كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

أضف تعليق